في كل الاحداث المهمة التي نمر بها في هذا الوطن المظلوم، هناك فلاسفه بأفكارهم نراهم ليلاً نهاراً على مقاعد شاشات الحوار الوطنية المتلفزة، ومقاعد مجلس الامة، وجلسات الضيافة، يحتالون علينا بالكلام والتحليلات العلمية وتنهمر خبراتهم فوق رؤوسنا ورؤس من خلفونا ايضاُ، عن القناعة والوضع الذي يحتاج الى تكاثف كبير للخروج من عنق الزجاجة، وان الصبر مفتاح الفرج والذي اسمعه منهم منذ اكثر من خمس وثلاثون عاماً .
هم انفسهم هؤلاء مستشارون تشتري المؤسسات الوطنية خبراتهم برواتب خياليه لقاء خدماتهم في مؤسسات الوطن شمالاً جنوباً بوظيفة مستشار براتب 10.000 ، او نواب تصدح عباراتهم في كل جلسة نيابية دفاعاً عن حق المواطن وضد ارتفاع الاسعار وانتشار البطالة والتعليم السيء والخدمات الصحية التي تكاد معدومة، وهم انفسهم هؤلاء لن يقبل احدهم ان تقوم حكومة بلادهم بتدريس ابنائهم في مدارسنا او جامعتنا الوطنية بل من خلال منح تقدمها الحكومة ليتلقى ابنائهم افضل تعليم في جامعات الدول الاجنبية العريقة وعلى نفقة الحكومة، والمقابل ان توافق على اقرار الميزانية او مشاريع قرارات تراها الحكومة في مصلحة المواطن في العلن، وهي في مصلحتها بالسر (على اساس نحن لا نعلم كيف تدار المشارع في الغرف المغلقة) .
فمثلاً، لا انزعج تماماً من ملفات قانون المرور الجديد، ولا من قانون الجرم الالكتروني الجديد، ولا موضوع الاغلاقات والاشاعات المختلفة حول ذلك في هذا الوقت، ما يزعجني اني جائع، جائع في ظروف متنوعة جائع ايها الفلاسفة المحللون والخبراء والنواب لخدمات صحية ان يكون ترتيبي فيها واحد او اثنين في موعد عملية جراحية قريب وليس بعد اربع وخمس شهور، جائع لأنخفاض اسعار المحروقات، جائع لأنسى هموم خزان الماء فوق سطح بيتي امتلئ يوم ان تجلب لنا حكومتنا الحكيمة وتسمح للماء بزيارة خزانات المياه في منطقتنا، جائع لتحديث منظومة التعليم بشكل كامل من المراحل الدنيا حتى الجامعة، جائع لسوق عمل تتحرك فيه ماكينات الانتاج لتقليل اعداد البطالة في هذا البلد، جائع ليسكت هؤلاء وان يتوقفوا بين كل حين واخر عن طرح مواضيع ارتفاع مؤشرات البطالة، وارتفاع المديونية العامة والعجز في الموازنة، جائع لأن يسكت كل هؤلاء ويكفي تحليلات منطقية وغير منطقية يا محللين يا بتوع الكلام الفاضي .